الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة في رصيده قرابة 60 عملا مسرحيا المسرحي المنجي بن إبراهيم: بالثقافة نستطيع تقويم حياتنا الاجتماعية

نشر في  31 جانفي 2018  (11:41)

-«كنت ـ دائما ـ مسكونا بهاجسين اثنين، أولهما أن أصنع فرجة تروق للمتفرجين وترتقي بأذواقهم وتنفذ الى أعماقهم، وثانيهما أن تكون المسرحية بمثابة السمفونية التي لا تقبل الخطأ أو النشاز»

-"نحن اناس نشرب ونأكل  التراب على خشبة المسرح"

عندما تجالس المسرحي المنجي بن ابراهيم، فكن واثقا بأنّه يحدثك عن عشقه لفن المسرح وعن آبائه المؤسّسين انطلاقا من الإغريق وصولا الى كنستونتان ستانيسلافسكي وبرتولد براشت وبيتر بروك وجورج بوشنار وغيرهم من الكتّاب على غرار تشيخوف وايونسكو وغسان كنفاني.
لن يدع بن إبراهيم الفرصة تمرّ دون أن يحدثك  عن تأسيس المسرح الوطني التونسي وأيّام قرطاج المسرحية سنة 1983 مع المنصف السويسي وعن الأحلام والتتويجات التي رافقت تلك الحقبة ثم الخيبة التي تلت ابعاد المجموعة المؤسسة بتعيين محمد ادريس وإلغاء المسابقة الرسمية للأيّام..
سيحدثك بن إبراهيم عن تفاصيل الأعمال التي أخرجها كمن يسقي ازهاره يوميا بعناية، سيحدثك عن شغفه بالمسرح المدرسي، عن السنوات الخمس التي قضاها بمدينة الموصل العراقية، عن الصداقات التي ربطها بفضل المسرح، عن ضرورة أن تصبح وزارة الثقافة وزارة سيادة، فبالثقافة ـ  يقول محدثنا ـ نستطيع تقويم حياتنا الاجتماعية وتصويبها...
التقينا المنجي بن ابراهيم اثر عرض مسرحية «الحكماء» التي أخرجها مؤخرا وعرضها خلال أيام قرطاج المسرحية، فحدثنا عن 4 أعمال مسرحية أنجزها والتي تتشكل من خلالها فسيفساء عالمه المسرحي.  فسيفساء ملوّنة بأنوار الحياة والفكر والجمال مؤكدا على دور المسرح وعلى أهمية تظاهرة «الجي تي سي» كمكسب هام للمسرح التونسي والعربي والإفريقي والعالمي، مكسب يجب الحفاظ عليه مع مزيد الرّعاية والدعم.



مسرحية «ميدي»:
في معنى الحب والكراهية

عن مسرحية «ميدي» يقول بن ابراهيم انّها اول  انتاج للمسرح اليومي، الشركة التي أسسها سنة 1990، ويردف: «ما يهمّني في هذا العمل الاغريقي الشهير هو موضوعه الذي يعالج مدلول  الكراهية في هذا الزمن، وهو مفهوم أزلي: الكراهية أو الحب الذي يتحول الى كراهية، لكن ما هي الإضافة التي كنت سأقدّمها لهذا الأثر؟ فإذا لم يضف الفنان مقترحا أو رؤية أو بصمة، فقد ساء للعمل الأصلي..  لقد تمثّلت إضافتي في جعل الشخصيّة الرئيسية «ميدي» شخصيتين على الركح: «ميدي» ترمز للحبّ الخالد وأخرى ترمز للكراهية، لا بمعنى النقيض أو الثنائيّة بل بمعنى الغليان الداخلي الذي يفرز الحب والكراهية: «ميدي» التي أحبت «جازون» الى حدّ الجنون وضحّت من أجله بعائلتها، بأملاكها، بانتمائها الالهي والملكي، و«ميدي» المجروحة التي تخلّى عنها «جازون» مقررا التزوّج بإبنة الملك «كريون»..
 وقد تقمّصت شخصية ميدي الممثّلتان القديرتان منى نور الدين وخديجة السويسي...
كانت قراءة متفرّدة بأن نجعل من شخصية شخصيّتين: ميدي المجروحة في كيانها بعد أن رفضها «جازون» اثر عشرة طويلة و«ميدي» الأخرى التي مازالت تحبّه، فكيف تخاطبه وتقترب منه؟ وتجدر الإشارة الى أنّ هذه المسرحية عرضت في اطار أيام قرطاج المسرحية.



مسرحية «الباب»:
 ضدّ الحصار المضروب علـــى العالـــم العــــربـــي

عن مسرحية «الباب»، قال المنجي بن ابراهيم انّ زميله الشاعر العراقي مُيسر الخشاب استفزّه ذات مرة عندما قال له أعلمه انّ العرب لم يخرجوا أبدا عملا لغسان كنفاني! وأضاف محدّثنا: «لم أعرف كيف أردّ عليه لاعتقادي أنّ كنفاني مبدع في كتاباته الصّحفية والمسرحية... ودون تردّد اقتنيت كل كتابات كنفاني وتوقفت عند مسرحية «الباب»، وهي مسرحية تشبه إلى حدّ  ما «السّد» للمسعدي من حيث الطرح الفكري والفلسفي.. شدّني النص وأثار حيرة في نفسي، فتساءلت  كيف يمكن ترجمته؟ وما هي الفكرة الملائمة لانجازها؟
انتظرت... وكان الحصار الذي ضُرب على ياسر عرفات في رام الله، كان محاصرا في بيته دون أدوية، ممنوعا من الخروج، مطوّق بالأسلحة الثّقيلة وياسر عرفات يبتسم كالعادة، شامخا... آنذاك شعرت أنّي أنا المحاصر، أني المعني، فياسر عرفات لا يمثل شخصه، بل هو رمز هذا العربي المحاصر من كل حدب وصوب... فما حيلتي كفنان مسرحي؟ هل أستطيع ان أحمل بندقية مثلما قال نزار قباني: «أصبح عندي الآن بندقية»، انا عندي المسرح وعندها انتبهت الى أنّ عندي سلاحا اسمه مسرحيّة «الباب» التي تعالج مسألة الحصار الأزلي، الصراع الأبدي للدّفاع عن الحق ومشروعية الحياة والأرض.
الفترة التي فصلت بين قراءتي للنص وانجازه في حدود 20 سنة! وقد شكلت سينوغرافيا العمل هاجسي الأول وكانت لي أحلام مجنونة... فكرت في أن تدور الأحداث في الجهاز التنفّسي  على أنّه العالم العربي فرئتاه متعبتان وتراجعت دقات قلبه، وأمّا الكلى فلم تعد تشتغل، والبلعوم مختنق...هذا ما أملاه عليّ خيالي وهكذا نظرت للعالم العربي وأجهزته المحاصرة... وقد جسّدت هذه الفكرة بأن يتحرّك الفنانون في القلب والبلعوم والرئتين والكلى، أنا ضدّ الديكور الثابت.. وقد عُرضت «الباب» سنة 2000 وعرفت نجاحا، كما قدمت في المغرب ومصر.

مسرحية «أصوات»: العبث والثورة المدينة الحرة

عن مسرحية «أصوات» التي تطرّقت لموضوع الثورة قال المنجي ابراهيم:«انّ المسرح ليس غريبا عن  المفاهيم الثورية والعديد من الكتاب تنبّؤا بالثورات مثل تشيكوف الذي تكهّن في مسرحية ايفانوف بالثورة البولشيفية، وفي المسرح اليوناني كذلك هناك خصومات بين السلطة وجماعة الدّين والشعب، وكثيرا ما أفضت هذه التجاذبات الى تغييرات...
ما جدّ في 14 جانفي 2011  ببلادنا  حدث جلل وفارق، تابعت مجرياته وصُدمت بها أيضا، فما معنى أن يهرب رئيس الدولة، أن يترك ناسه، أن يهرب من الشعب وما أدراك من الشعب! فوجئت ولو أنّي لم أكن متفقا مع النظام السابق لأنه لم يكن يولي الثقافة الأهمية التي تستحق خلافا لبورقيبة الذي لم يكن نذلا، بل كان سياسيا محنّكا...
تساءلت حينها عن دور المسرح، وأنا لا أريد ان يكون المسرح شعاراتيا. فهناك اعلاميون ومؤرّخون يمكن ان يتحمّسوا لنقل الأحداث والاحتجاجات... كيف الحفاظ على الكتابة المسرحية التي فيها جماليات وعمق وشاعرية وبعد ابداعي؟ دوري ليس بالسياسي، فأنا رقيب للسياسة.. شعرت بنوع من التّيه ولاحظت انّه ما هكذا تكون الثورات.. قلت انّ هذا الضّياع يذكّرني بالعبثية، وفكرت عندها في بيكيت وايونسكو وسارتر وكامو وجورج باتاي الذين تحدّثوا عن العبث اذ لم تكن توجد دلائل تقول الى أين نحن ذاهبون، وهذا خطر...
قلت حينها انه يجب كتابة نصّ جديد، فكانت مسرحية «أصوات» التي نقلت قصة 3 فنانين: شاعر وموسيقي وفنان تشكيلي يلتقون في ساحة خلت من الناس للتعبير عن هواجسهم وما يشغلهم من قضايا... يبنون إذا دولة في الساحة ويتّفقون على قوانين تلبّي رؤية الفنان، الفنان الحرّ الذي له كلمة.. وقد قدّمت المسرحية في عدّة مناسبات في تونس والجزائر.



مسرحية «الحكماء»:
زمن ندافع فيه عن الخطأ بالخطأ

عن مسرحية «الحكماء» التي اقتبسها عن مسرحية «توراندوت» لبيرتولد براشت، يقول بن ابراهيم: «ما لاحظته انّنا نعيش تدنّيا فظيعا وتدهورا فكريا في حين انه محكوم علينا كفنانين بأن نستشرف المستقبل، أن نحاول قدر المستطاع ان نكون مواكبين لما يحدث من تغيرات.. رأيت في مسرحية «توراندوت» أو «مؤتمر غاسلي الأدمغة» لبراشت الذي عرف النازية والمنفى والطرد من بلده، ولاحظ انّ السبب الرئيسي لتقهقر الأمم هو غياب الفكر، عملا يتناسب مع الزمن المتردي الذي نعيش على وقعه...
 فقد كتب براشت نصا تدور أطواره في الصين التي يحكمها امبراطور «طرطور» يقرر انشاء مدرسة تصنع الحكماء حتى يدافعوا عنه وإن كان مخطئا... ورأيت أن زمننا هو هذا.. زمنا ندافع فيه عن الخطأ بالخطأ...
عندما أرى ما يحدث اليوم من سياسات مغلوطة وما يقوله البعض في المنابر الاعلامية، يحزّ في نفسي، يتعبني ذلك كفنان، كمسرحي، كمواطن.. أن يصبح البعض كلاب حراسة، خدما ومفكّرين تحت الطلب لدى من هم في السلطة، بيادق مصابين بعماء الفكر والحرية يدافعون عمّن لا يمكن الدفاع عنه، يتزلّفون بلا هوادة... وهذا ما نقلته في مسرحية الحكماء.

المنجي بن ابراهيم في كلمات


بعد عودته من باريس حيث درس في جامعة باريس 8 والجامعة الدولية للمسرح، أنجز المنجي بن ابراهيم إلى غاية يومنا هذا قرابة 60 عملا مسرحيا، أوّلها «الفدية» التي عرضها مع فرقة الكاف.. اثر ذلك شارك في عديد الأعمال ومنها «الهاني بودربالة» مع المنصف السويسي و«فويدساك» عن نص لجورج بوشنار، و«المزاودية» وهي مقتبسة من مسرحية لفرانسيسكو آرابال الكاتب الثوري الاسباني.
كما انجز المنجي بن ابراهيم كوريغرافيا مسرحية «عطشان يا صبايا» ومسرحية «السندباد» و«ماكبث» وقد افتتح عدد من هذه الأعمال مهرجان قرطاج الدولي.
ثم شاءت الظروف ان تحول بن ابراهيم الى المهدية لتدريس المسرح وأسس فرقة لمسرح الهواة... وفي المهدية أخرج مسرحية «اشكي للعروي» التي شاركت في مهرجان قربة.. ومن المهدية، عيّن ابن ابرهيم مديرا لفرقة القيروان حيث أخرج مسرحية «الكسوة» التي جابت عديد المدن التونسية، وكذلك «الحجاج ابن يوسف»...
ومن القيروان الى إدارة فرقة صفاقس المسرحية حيث أنجز مسرحية «شجرة عجايب» بالاعتماد علی نصّ لجاك بريفير ثم مسرحية السندباد وهي عمل مشترك مع المنصف السويسي ومهرجان قرطاج الدولي...
بعد هذه التجربة المحلية، انتقل بن ابراهيم الى العراق وتحديدا الى الموصل حيث أسّس قسم المسرح بمدرسة الفنون الجميلة... وأنجز خلال إقامته بالعراق التي دامت 5 سنوات عدة أعمال منها «الكسوة» و«الأسياد» و«خيوط» و«من هنا أتكلّم»، وأعاد «الفدية» ثم «الصف النهائي»...
وبعودته الى تونس، ساهم بن ابراهيم في تأسيس المسرح الوطني التونسي رفقة المرحوم المنصف السويسي سنة 1983 وكلّف بقسم الدراسات والبحوث..ومن المبادئ التي ركّز عليها المسرح الوطني التونسي آنذاك الانفتاح والعمل بالشراكة مع الفرق الجهوية واتحاد الممثلين المحترفين ومسرح الطفل.
 وعلى المستوى الفني انجز بن إبراهيم في إطار الأعمال التي قدّمها المسرح الوطني 3 أعمال وهي «أنا الحادثة» التي تحصلت على جائزة أفضل تقنية في الاخراج المسرحي، ثم «كواليس» و«وكر النسور» الذي افتتح مهرجان قرطاج الصّيفي، وهي ملحمة تروي تاريخ قرطاج.
وفي عام 90 أسّس بن ابراهيم شركة «المسرح اليومي» التي أنجزت عديد الأعمال ومنها ««ميدي» و«أصوات الخيمة» و«المعلم» و«شهريار» و«حكاية ونهاية» وصولا الى «الحكماء».
هذا فضلا عن انجازاته في المسرح المدرسي وتدريسه لمادة المسرح بعديد المعاهد الثانوية ومدرسة ترشيح المعلمين، ومن أعماله «الفؤوس» التي توّجت بـ5 جوائز في المهرجان الوطني للمسرح  المدرسي بسوسة.



شيراز بن مراد